adv

Hazooma blog in other languages

مقتل الرئيس الراحل محمد أنور السادات (الجزء الثانى)


مقتل الرئيس الراحل محمد أنور السادات (الجزء الأول)

يا مصر هانت وبانت ل مصطفى سعيد


نعمة النسيان لـ أمين الباشا

نعمة النسيان
لـ  أمين الباشا


النسيان حالة من الحالات التى يتمتع بها الإنسان، لو لم تكن موجودة، لكان الأنسان فى نقص يؤدى به إلى الهلاك.. إلى الجنون.
عدم النسيان عاهة، والنسيان رحمة، من الطبيعى أن أكون، أنا نفسى، مرحوما، وليس كل مرحوم هو إنسان ولّى.. أنا حى إذا أنا أنسى.


مرات عدة أنسى أسماء أشخاص أعيش معهم منذ ولادتهم، هم من العائلة،أخلط الأسماء وأسمى – مثلا – سامية بليلى.. وليلى بسلوى، ويوسف بإبراهيم. وجميع هؤلاء لا يلبّون ندائى لهم، لأنهم يعلمون أنى لن أكترث لعدم تلبيتهم لنداءاتى، وأنا كذلك، فأزداد فرحاً عندئذٍ لأنى من الناس الذين ينسون.
على ذكر (( الينسون )) يقفز فى رأسى فنجان أبيض من (( اليانسون )) أشربه فى خيالى، وعندما يفرغ الفنجان، أنسى إسم الشراب الذى شربت، أنادى النادل وأطلب منه أن يأتينى بفنجان ثانٍ من الـ... نسيت إسمه.. أقول للنادل: نسيت إسم الشراب الذى طلبته وشربته .. يجيبنى النادل أنى لم أطلب شيئا بعد، أعود عندئذٍ لفرحى لإنى من هؤلاء الذين ينسون، وعندما وصلت إلى فعل (( ينسون )) تذكّرت (( اليانسون )) الذى شربت،ناديت النادل، أتى.. قال لى: نعم.. قلت له: لا شئ.. لا شئ.. اعذرنى.. نسيت ماكنت أريد منك، فازددت فرحاً وفخراً لكونى من الناس الذين ينسون.
***
اتكأت على ذراعى واضعاً الكوع على طاولة المقهى بحالة تفكير، هكذا يرانى مَن يرانى وينظر إلىّ وذراعى وكوعى والطاولة يوحى بأنى أفكّر، وبالفعل كن أفكّر، أنا أفكّر.. قلت، لم أقل شيئا، كنت أفكّر بالإنسان والنسيان، وكيف أن الأحرف ذاتها تتكرّر فيهما، الألف والنون والسّين، وبقى كوعى على طاولة المقهى وذراعى ويدى تسندان رأسى، صورة نموذجية لمفكّر، هل زرت متحف رودان Rodin فى باريس؟ تقول لا.. هذا طبيعى أنت لبنانى، فى المتحف تمثال (( المفكّر )) للنحّات الأخ رودان، طيب، هل تعرف صورة وجه الشاعر المصرى أحمد شوقى، تقول نعم.. هذا طبيعى، أنت لبنانى، أنا الآن أضع رأسى بين رأس مفكّر رودان ورأس شوقى.
***
النسيان والإنسان واليانسون وينسون وكلمات وأفعال وصفات كثيرة أستطيع أن أضمّها إلى مجموعة الألف والسين والنون، لكنى.. لكنى.. هل تعلم ماذا أريد أن أقول.. أليس كذلك؟ أنت تعلم أنا.. ماذا؟ آ.. آ.. فرحت عندئذٍ لأنى من الناس الذين ينسون.. ولا يتذكّرون.
هل لاحظت الفارق الكبير بين (( الينسون )) و(( يتذكرون ))؟ لا شبه بينهما سوى بحرف الياء، هذا الحرف المنحرف قليل الأدب والتهذيب، والذى يتدخل فى كل أمور الناس وفى كل حالاتهم الخاصة والخصوصيّة، الياء التى لا همّ لها سوى أن تحمل علم الأنانية والمنفعة الخاصة والكذب علينا نحن الناس الذين.. الذين ماذا؟ أريد أن أقول إن هذا الحرف قد وُضع فى مؤخرة الأحرف الهجائيّة قصاصّا منه.
***
وأنا واضع يدى اليسرى على خدّى الأيسر وكوع ذراعى على طاولة المقهى مفكّراً، سمعت صوتاً ينادى، يقترب المنادى، نظرت إليه، كان ينظر إلىّ عيناه فى عينىّ، قالت لى عيناه: لماذا لا تجيب؟ أناديك وأنت لا تجيب.. ما بك؟ هل فقدت سمعك؟ إذا فقدته.. هنا قاطعته: وإذا فقدت سمعى يا حليم؟ قاطعنى بدوره: حليم.. أين حليم؟ أنا حليم؟ أصبح إسمى حليم؟ نسيت إسمى؟ أم أنك تهزأ بى؟.. حليم قال حليم.. يه يه يه؟ تذكرت عندئذٍ أنى..
لا.. لا.. لم أتذكر شيئاً.. لكن يدى نزلت من على رأسى وعاد ذراعى غلى مكانه وبَعدت عن (( دوران )) وعن (( شوقى )) وعدت إلى ذاتى.. إلى المدعو.. نسيت.. أنا.. مَن أنا؟ اسمى.. يا هو.. يا عالم.. اسمى!
فجأة عادت الابتسامة إلىّ فتذكّرت أنى من الناس الذين ينسون ولا يشربون سوى اليانسون.
عندما رأى المنادى.. حليم.. لإبتسامتى وفرحتى، رمى نظرة علىّ كمن يرمى حجرة، قال وهو يدير إلى ظهره: مجنون.

إسم النبى محمد صلي الله عليه وسلم يتوسط قارات العالم