■ فى القاهرة تجد بين كل مقهى ومقهى.. «مقهى»
■ وفى بيروت تجد بين كل كباريه وكباريه.. «كباريه»
■ وفى سويسرا تجد بين كل بنك وبنك.. «بنكاً»
■ وفى طنطا تجد بين كل جامع وجامع.. «جامعاً»
■ من أدلة الرخاء فى بلد ما أن تجد زحاماً شديداً فى المكتبات وطوابير على أبواب المسارح ودور السينما.. هذه أشياء لا يفكر فيها الناس إلا بعد أن يشبعوا.. فالناس تتشدق بالواقع.. وتحتكم إلى الواقع ومع ذلك فلا أحد يريد الواقع.. وإنما الكل يطالب بتغيير الواقع.. ويحلم بالخلاص من الواقع
مصطفى محمود
عندما حاولنا مواصلة ما تبقى من المذكرات الشخصية، وأدق الأسرار والتفاصيل الحياتية للدكتور مصطفى محمود، وجدنا أن الإجهاد قد ظهر عليه، وأمراض الشيخوخة نالت منه، وضعفت الذاكرة حتى عجزت عن سرد الكثير من تجاربه، ولهذا تكلم فى نهاية حديثه عن موقفه من الأحزاب السياسية، والشائعات التى طاردته، وصداقته بموسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب، وسر الشبه بينه وبين عبدالحليم حافظ، فقال: «كنت ومازلت مقتنعاً بأن هناك الكثير من الناس سمعوا ودرسوا السنة، لكنهم فهموها خطأ،
وللأسف أصبحوا الآن كثيرين جداً، وهؤلاء تمسكوا بظاهرها وقالوا يجب أن نأكل بأصابعنا، وأن نمد اللحى بشكل ما، ونقصر الثوب، ونركب البغلة، ودائماً ما كنت أقول إن هؤلاء نسوا أن السنة ليست الأعراف السائدة فى عصر من العصور، لكن هى أخلاق النبى، عليه الصلاة والسلام، فما فائدة أن يقصر الإنسان لحيته أو يتركها وهو إرهابى، والغريب أن هؤلاء يطبقون السنة فى مواقف، ويتجنبونها فى مواقف أخرى، فخطبة الجمعة فى عهد النبى لم تكن تتعدى دقائق قليلة، أما الآن فتستغرق ساعة، وهذا يدل على سماحة الإسلام، وأن النبى كان يخفف على الناس، ولا يسبب الرعب، أو يثير المشاعر، وكان رحيماً بهم، فحينما دخل مكة منتصرا سأل الكافرين ماذا تظنون أنى فاعل بكم؟
قالوا (أخ كريم وابن أخ كريم)، فقال لهم (اذهبوا فأنتم الطلقاء)، لكن ماذا حدث حينما دخل الخومينى إيران، كان منظراً تقشعر له الأبدان، حين علق خصومه على المشانق، وكنت أتأمل المشهدين طوال الوقت، وأتساءل دائماً أيهما الإسلام الحقيقى؟ ووصلت إلى ضرورة أن نتفهم جوهر الموضوع، فالإسلام هو إحياء الضمائر، فلا يمكن تطبيق الإسلام بقرار وزارى، أو إجماع من مجلس الشعب، لكن بعض الناس فهموا المسائل خطأ، فلا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، وإذا كان الإسلام تقدميا بطبعه واجتهادياً معاصراً، فلماذا إذن العودة إلى السلفية الجامدة التى أصبحت موجودة على الساحة فى هذه الفترة؟!
وأنا متابع جيد لها، حيث أستطيع القول إن كل شخص يتصور أنه «مفتى» فى الإسلام، خاصة بعد ظهور مشايخ وفتاوى الفضائيات التى أصبحت منتشرة، وتمارسها مجموعة من غير المتخصصين، ودائما كان هؤلاء يكفروننى عندما أختلف معهم فى رأى، وهذه أخلاق غير إسلامية على الإطلاق، فالإسلام دين اجتهاد وعقل».
ويواصل المفكر الراحل: «أما بالنسبة لجماعة الإخوان المسلمين، فلا دين فى السياسة، ولا سياسة فى الدين، ولكى أوضح رأيى فى هذه الجماعة وغيرها من الجماعات التى كثيرا ما حاولت معى لكى أنضم إلى صفوفها فى مراحل عمرى المختلفة، فهناك نكتة إنجليزية شهيرة توضح أن الدين والسياسة لا يتفقان فتقول (وجد شخص تابوتاً مكتوباً عليه هنا يرقد السياسى العبقرى والرجل الصادق فلان، فقال الرجل أول مرة أجد اثنين مدفونين فى تابوت واحد)، فالسياسة تحمل داخلها الكذب والانتهازية، والدين يحمل داخله القواعد والتسامح والسلام، وظللت عمرى كله أحمل راية الدفاع عن الإسلام من «الإخوان»، وغيرها،
لكن رغم انتقادى هذه الجماعة ورفضى شعارها (الإسلام هو الحل)، فإن بين أعضائها شخصيات مستنيرة، وأهم ما يميزها أنها تمثل نسيجاً واحداً منذ نشأتها على يد حسن البنا وحتى الآن، لكن هذا لا يبرئها من أن بينها أيضاً شخصيات غير ناضجة، ومندفعة، ومتعصبة، والدليل على ذلك إصرارها على تأسيس حزب سياسى، رغم أن هذه الخطوة أثبتت فشلها منذ قيام الثورة وحتى الآن، إلا أنها مازالت متمسكة بها، رغم استحالة تأسيس الحزب، لما فيه من تهديد للوحدة الوطنية، ولذلك كنت على الدوام ضد دخول الدين فى السياسة نهائياً، ورأيى هذا وصلت إليه بعد أن أمعنت التفكير، لأن السياسة خليط من الكذب، والالتواء، والانتهازية، ولابد من تنزيه الدين عنها،
وأفضّل أن يكون دور الدين فى هذه المرحلة الحزبية التى نعيشها هو إحياء الضمائر، فأخطر شىء يهدد المجتمع هو إدخال الدين فى السياسة، فدور الدين يجب أن يقتصر على توعية وإحياء ضمائر الناس، ثم إن الإسلام فى تاريخه لم يكن سياسة ودينا إلا فى مرحلة النبى، وأبى بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وبالطبع هؤلاء استثناء، وإذا وجدنا مثل سيدنا عمر بن الخطاب - وهذا مستحيل - سنؤسس به أعظم حزب، ولهذا كنت على الدوام أرفض الموافقة على حزب سياسى للإخوان أو الأقباط، كما أرفض الانضمام للجماعة، أو حزب حتى أظل أقوم بدورى، وهو حماية الدين من هؤلاء».
وحول علاقته بالعندليب الأسمر عبدالحليم حافظ، قال: «كلما كنت أنظر إليه كنت أرى عللى، وأمراضى، فصوته كان يحمل الأسى والحزن والبؤس والرقة والعذوبة، ولهذا نجح، لأنه استطاع أن يهز المشاعر والأحاسيس بصوته العذب الرقيق، وأتذكر أننى عندما قابلته لأول مرة فى منزل عبدالوهاب، قال لى (سمعت أنك فنان وعازف موسيقى جيد للعود والناى وصاحب صوت جميل)، فقلت له: (لكننى لم أعزف بوق فى يوم من الأيام لأننى ولدت أتنفس برئة واحدة)، وتبادلنا الحديث طويلاً فى تلك الليلة، وتقابلنا بعد ذلك كثيراً، لكن علاقتى به لم تكن عميقة، أى لا يمكن أن نطلق عليها كلمة صداقة،
بينما علاقتى بعبدالوهاب كانت مختلفة عن علاقاتى بالآخرين، وهو كذلك أيضا، ولعلها كانت متميزة جداً، وكنت أناديه بـ(عبدالورد)، وكان هو ينادينى بـ(درش)، وكانت علاقتنا حميمية إلى أبعد الحدود، فقد كان يتصل بى أكثر من ١٠ مرات يومياً، ويظل معى على التليفون بالساعات ليلاً، ومن خلاله تعرفت على معظم الفنانين، وتعلمت منه بعض العادات الحميمة، فلم أشاهده يشرب الماء إلا وعليه قطرات من ليمون، وعندما كنت أسأله عن السبب كان يقول لى إن المياه تكون صحية ونقية وتشفى من الأمراض، وأحيانا يداعبنى بقوله (إزاى إنت دكتور ومتعرفش الحاجات دى؟)
ومن بعدها ودون تردد لم أشرب الماء إلا بعد تقطيره بالليمون، وعرفت بعدها أن هذه هى الطريقة المثلى للتخلص من الأمراض، وعرفت من يومها أنه كان طبيباً لم يدرس الطب، وهكذا كنت أقول له دائماً، وكان هو يرد بأننى فنان لم أدرس الفن، وكل ما يمكن أن أقوله عن (عبدالورد) الذى لا تسعفنى الذاكرة الآن لذكره، موجود فى مقال كتبته عنه بعد وفاته، ونشر فى مجلة الشموع فى ٢١ يوليو ١٩٩١ وهو بعنوان (نفحات من الله .. لا عبقرية .. ولا إبداع)، وكان يقول: (الإيمان فى حياة محمد عبدالوهاب حقيقة وليس نفاقا، لم يكن يسمى فنه شطارة أو عبقرية أو إبداعا،
بل كان يسميه خواطر ونفحات من الله سبحانه وتعالى، وكان إذا وُفق فى عدة ألحان، يقول ربنا فتح علىّ أو ربنا نفخ فى صورتى، وكانت له أيام الصبا نزوات وهذه روايات حكاها لى بنفسه، وكان حين يخطئ ويتغلب عليه ضعفه، يقسم ألا يعود إلى الخطأ مرة أخرى، وكان يدعو الله أن يساعده فى التغلب على نفسه وكان يتوسل، فالله خالق الجمال ومتذوق الجمال، والفنان عاشق لكل أشكال الجمال، ولابد أن يكون له عند الله هامش من حرية يدخل فى مجال المغفرة، بهذا كان يتوسل إلى الله ويتعذب وإحساسه الداخلى بأنه يخطئ كان مصدر قلق يلازم إيمانه الراسخ بعدل الله وقوته ومغفرته،
وكان يبكى كالأطفال وهو يعترف لى بأن كل الذنوب التى اقترفها فى حياته قد اقترفت فى حقه بعد ذلك، وهذا هو القصاص العادل فى الدنيا، لقد دفع ثمن أخطائه باهظا، فالبيئة الدينية التى نشأ فيها منذ طفولته كان لها أثر كبير فى حياته، ونجد أن التلاوة القرآنية والرجع القرآنى الكامن فى باطنه يبدوان جليين فى أغانيه للقصائد، فنرى (الفقى) واضحا فى أبيات كثيرة من (يا جارة الوادى)، وكان يقف طويلاً أمام مقالى (عظماء الدنيا وعظماء الآخرة)، ويقول لى (عششت فى مخى أننى لست من عظماء الآخرة لأننى من عظماء الدنيا)، فالأخلاق هى التى تقود إلى الصواب وإلى الله، لأن الله قال (وإنك لعلى خلق عظيم)، ولم يقل على علم أو فن عظيم، وذو الخلق يرفع ويحتمل،
ولهذا فقد سميت الآخرة رافعة خافضة، وكان عبدالوهاب رجلاً مدركاً لعيوبه ومميزاته، وبداخله تجد الإنسان المصرى الشرقى المتدين المؤمن، وكان يطلبنى فى الواحدة بعد منتصف الليل ليناقشنى فى الثواب والعقاب، ويبكى بشكل متصل. إن الإيجابيات فى شخصية عبدالوهاب أكثر بكثير من السلبيات فهو إنسان فيه سماحة ووداعة وخصال طيبة، فلم أره مرة يغضب أو يشتم أو يظلم، وكان صبوراً لديه الجلد وطول البال وقوة التحمل، وكان بداخله السياسى والدبلوماسى، وهى أخلاق العظماء، فلو أنه اتجه إلى غير الفن لكان من كبار الساسة فى العالم، وهو من القلائل الذين جمعوا بين الفن والحكمة».
وانتقل المفكر الكبير إلى الشائعات التى ترددت حوله بقوله: «الشائعات تطاردنى منذ طفولتى، منذ أن ظن الجميع أننى سأموت بعد أيام من الولادة لأن توأمى مات، رحلة طويلة مع الشائعات كنت أنا قبطانها الوحيد، وكنت أتعامل معها بأن أستمتع وأضحك أحياناً، وأغضب بشدة وأبكى فى أحيان أخرى، ولكن فى كل الأحوال كانت الشائعات تدفعنى إلى العمل باجتهاد، ولم تهزمنى فى يوم من الأيام، ولم تؤثر على علاقتى بالآخرين، وبعد كل شائعة تنتشر كالنار فى الهشيم كنت أتلقى اتصالات تليفونية من الناس والأصدقاء والأقارب ليطمئنوا علىّ،
وكل هذه الشائعات ظهرت مرة واحدة وكانت مختلفة وغير مفهومة ودون سابق إنذار، والغريب أن الناس يصدقون أى شىء على الإطلاق، وكانت أشهر الشائعات التى رافقتنى سنوات طويلة، هى أننى أصبت بلوث عقلى وانتابتنى حالة هستيرية نقلت على أثرها إلى مستشفى الأمراض العقلية، وكانت هذه الشائعة، بالتحديد، صاحبة الانتشار السريع بين جميع فئات وطبقات المجتمع، حيث أذكر أننى كنت أزور بعض أقاربى فى طنطا، وشاهدنى الناس فأصابتهم الدهشة.. فكيف أكون فى الشارع وفى الوقت نفسه فى مستشفى الأمراض العقلية!
ورغم تكذيبى الشائعة وظهورى المتكرر بعدها على شاشة التليفزيون أقدم حلقات برنامجى، فإن هناك كثيرين مازالوا يعتقدون صحة هذه الشائعة، وهناك شائعة أخرى غضبت جدا منها لأنها كانت تمس أحب البشر إلى قلبى وهى ابنتى أمل، وكانت الشائعة تتعلق بأننى بدلت دينى بسبب إصابتها بمرض خطير، ورأت السيد المسيح فى المنام وقال لها إن لم يتنصر والدك فلن تشفى أبدا من هذا المرض، فلبيت النداء على الفور وذهبت إلى الكنيسة وتم تعميدى وتنصيرى،
ولما تنصرت شفيت ابنتى، وذهبت بعد ذلك إلى الدير أتعبد فيه مع البابا شنودة والأنبا بيشوى، وكلها شائعات لا أساس لها من الصحة مطلقا فكيف أكون مسيحياً أؤدى الصلوات فى الكنائس وأتعبد فى الأديرة، وقد بنيت مسجداً لله وأعيش بداخله وأصلى فيه جماعة مع المسلمين الذين كانوا يفاجأون فى صلاة الجمعة بأننى أصلى معهم فيتأكدون من كذب الشائعة، والحقيقة أننى حاولت كثيراً أن أعرف مروجيها، لكننى لم أجد تفسيراً لها سوى أن الخصوم، الذين عجزوا عن هزيمتى بشتى الطرق، لجأوا إلى الشائعات اعتقاداً منهم بأنها قادرة على هدمى، خاصة أننى أعتقد دائما أن أعدائى إذا عجزوا عن مواجهتى أو افتقدوا الوسائل التى ينالوننى بها فسوف يوجهون لى طعنة فى الظهر،
وأعتقد أن ما كان يطاردنى من شائعات هو هذه الطعنة، واكتشفت بعد ذلك أن الرموز الإسلامية فى مصر مستهدفة دائماً، خاصة إذا كانت تحمل فكراً جديداً ومستنيراً، وأنا أعتبر نفسى أحد هذه الرموز، خاصة بعد إصدارى كتاب (التفسير العصرى للقرآن)، وكتباً ضد الشيوعية وإسرائيل، ولهذه الأسباب أعتقد أن المخابرات الإسرائيلية كانت وراء جزء كبير من الشائعات التى طاردتنى، خاصة بعد حملة الهجوم العنيفة التى قمت بها ضدهم فى أوائل التسعينيات،
ومعلوماتى تؤكد أن الموساد يتمنى دائما أن تتحول مصر إلى ساحة من الاختلافات الدينية، وإلى ساحة حروب أهلية بين المسلمين والمسيحيين، لكن محاولاتهم كانت تفشل لأننى أفهم خططهم جيداً، وكنت أقف لهم بالمرصاد، لكن لا يوجد شك فى أن مصر مستهدفة دائماً، كما أعتقد أن خصومى ممن ينتمون للجماعات الإسلامية كانوا من بين مروجى هذه الشائعات، وتوقعت أكثر من مرة أن يتم اغتيالى، ويبدو أن وزارة الداخلية شعرت بنفس الشىء فعينت حارساً يرافقنى أينما أذهب، ويرابض أمام باب شقتى، لكننى كنت وما زلت مؤمناً بأن لكل أجل كتاباً (وما تدرى نفس ماذا تكسب غداً وما تدرى نفس بأى أرض تموت)،
وعندما تقدم بى العمر وأصابتنى أمراض الشيخوخة واختفيت نهائياً عن الساحة الاجتماعية والإعلامية، توقعت أن تتوقف الشائعات، لكننى فوجئت منذ عدة سنوات بأحد أصدقائى يخبرنى بأن أحد أقاربه كان فى الحج وقال له إنه شاهدنى بجوار الكعبة أعمل خادماً فى حرمها، وأعيش حالة عالية جداً من التصوف والزهد، وأسعدتنى هذه الشائعة للغاية لأننى أثناء سنوات عزلتى الأخيرة كنت أناجى ربى فى صومعتى ووحدتى، وأصلى له، وأعيش حالة عالية من التصوف، فقد أيقنت بأن الله هو الهدف والغاية، ومن الممكن أن تكون المعجزة تحققت بأن تنتقل الروح إلى ما تحب فى حالة روحانية عالية، لكننى كذبتها بالطبع،
ورغم تقدمى فى العمر ووصولى إلى الثامنة والثمانين فمازال هناك من يخرج بالشائعات ويروجها، وآخر ما خرج من شائعات، وأعلن مروجها عن نفسه لأول مرة الدكتورة لوتس عبدالكريم، وهى إحدى صديقاتى، وزوجها أيضا صديق قديم لى، والغريب أنها سجلت الشائعة التى استعجبت لها كثيرا فى كتابها عنى (مصطفى محمود.. سؤال الوجود)، حيث قالت إننى أخبرتها بأننى على علاقة بالجن وأستعين به فى قضاء حاجات أصدقائى من أصحاب المشكلات، وإننى وصفت لها كيف كان يشتعل الممر المفضى إلى غرفتى بالنيران حين أستدعى الجان، وكيف كان يدخل إلىّ ويحتضننى بشدة فيغمى علىّ فترة غير قصيرة، وأن الألم كان هائلاً فى البداية،
ثم اعتدت عليه فلم أعد أعانى من شىء لأن الجان أصبح صديقى ويفضى إلىّ بكل ما يريد ويحقق لى ولأصحابى المعجزات، وكانت هذه الشائعة أكثر الشائعات افتراءً، لكن لوتس اتصلت بى بعد ذلك لتوضح أنها لم تقصد الإساءة، وأن الكلام نشر محرفاً».
وينهى المفكر الكبير الراحل حديثه بقوله: «بالفعل كنت شغوفاً بالتعرف على عالم الأرواح والجان، وحاولت كثيراً، كما ذكرت فى شبابى ومراحل متقدمة من عمرى، التعرف على هذا العالم الخفى والغريب، لكنى لا أستطيع أن أفعل كل هذه الأشياء التى ترددت عن علاقتى بالجان، خاصة بعد أن أصبحت فى أواخر عمرى، وبعد أن هدأت نفسى، ووصلت إلى اليقين، وأحببت التفاف أبنائى وأحفادى حولى، بعد رحلة طويلة من البحث والسفر وعدم الاستقرار».