adv

Hazooma blog in other languages

مذكرات د : مصطفى محمود " رحلاتى بين أقصى الحضارة والبداوة " ( الحلقة الثانية عشر )

فتح العالم الكبير والمفكر الجليل الدكتور مصطفى محمود دفاترة ليطلعنا على أهم رحلاته التى مازال يتحدث عنها والتى طاف خلالها العالم وجمع خلالها فكره ومقتنياته النادرة التى مازال يحتفظ بها حتى الآن داخل متحفة الجيولوجى والمائى الموجود فوق سطح مسجده من أحجار وأسماك نادرة والتى جمعها من رحلاته المختلفة لباريس ولندن ولبنان. لقد صور لنا مصطفى محمود كل مظاهر الحياة داخل هذه الدول التى ربما ذهب البعض إليها ولم يستطع التعبير عما تحمله داخلها من معان حقيقية،

وربما يكون البعض لم يذهب إليها حتى الآن. لم يكن يسرد ما شاهده كزائر عادى إنما كان يصور لنا ما شاهده وعايشه بنظر الفيلسوف فقال: فى باريس كنت أقف طويلا أمام هذه الوفرة من الأجسام العارية الموجودة فى كل مكان.. الموجودة على إعلانات القمصان والعطور والدعاية السياسية والأدوية وطوابع البريد الموجودة على مسارح الاستربتيز فى البيجال،

والفرنسيون يشاهدون هذه العروض العارية فى اهتمام، ولكن ليس منبع هذا الاهتمام الحرمان الجنسى أو الفضول لرؤية الأعضاء التناسلية وإنما منبعه فلسفة الجسد العارى والهدف منها اعتياد العين على رؤية الجسد العارى لنقل التفكير من موضوع الإثارة الغريزية إلى موضوع التأمل الذهنى البحت فى كل ما يمكن أن يرى فى الجسد العارى.

ولم أشاهد فى باريس هذا النوع من الفن فقط بل كان هناك المسرح الجاد وعشرات المتاحف التى تعرض آثارنا الفرعونية بذوق وجمال وقرأت فيها أيضا صحفا جادة. وكما رأيت الباريسى يسكر طيلة الليل فى رأس السنة فهو نفسه الذى يعمل بيده وأسنانه طيلة العام وفيها أيضا أتوبيسات قديمة ولكنها تسير بحالة جيدة نتيجة الإشراف والصيانة الدائمة لها.

ولا يمكن أن أترك رحلتى فى باريس لأنتقل إلى رحلة فى دولة أخرى قبل أن أتكلم عن أهم ما شاهدته من روايات مجسدة على المسرح فى باريس، حيث إن الفترة التى زرت فيها باريس كانت تتكلم عن الله والإنسان، فكتاب المسرح قدموا من خلال أعمالهم أن الله فى إجازة ولا أحد يرعانا فى السماء، فشاهدت مسرحية «مقبرة العربات» للمؤلف الإسبانى «ارابال»،

حيث كان الديكور الذى لم يتغير طوال العرض هو خرابة قذرة تتراكم بها العربات القديمة ثم نفهم أن ما نراه هو لوكاندة وصاحبها يؤجر غرفها ويستغل زوجته بأن تضاجع نزلاء اللوكاندة عند اللزوم وإذا رفضت يضربها ويلقى بها فى الغرفة لتعود له بأجر مضاعف.

ويلاحظ أن ممارسة الجنس فى هذه الخرابة هى وسيلة لقتل الوقت أو استعراض القوة فى إذلال الرجل للمرأة أو العكس، لا أحد يمارس الجنس للحب واللهو حتى يظهر المسيح وهو عصرى جدا فهو يمارس الجنس مع زوجة صاحب اللوكاندة ونعرف أنه يفعل هذا لأنه يحبها وأنه الوحيد الذى يمارس الجنس من أجل الحب ويتآمر عليه الرجال لأنه سيفسد عليهم حياتهم السهلة، ويبلغون البوليس ويصلبونه وبالطبع كان جميع أبطال المسرحية عراة تماما.

كما شاهدت فى السينما فيلما يحمل اسم «نهاية الأسبوع» لجودار وكان محاولة شديدة التطرف.. يبدأ الفيلم بحوار بين زوجين وتعتذر عن الخروج معه لأنها مريضة ونفهم بعد ذلك أنها كذبت لأنها تريد أن تلتقى بعشيقها ونرى أن الزوج استفاد من الفرصة فذهب إلى عشيقته، ثم تذهب الكاميرا إلى بيت العشيق ونرى الزوجة عارية ملط وتحكى للعشيق اعترافات مفصلة،

حينما تم تبادل الزوجات بين زوجها وصديقه وكيف ضاجعها صديق زوجها، ثم تنتقل الكاميرا إلى اليوم الجديد وهو نهاية الأسبوع والزوج والزوجة يستقلان سيارتهما فى الطريق إلى الأم فى الريف، والطريق الريفى مزدحم وفية مئات السيارات بسبب حادث وكل صاحب عربة يلعن ويسب، لا أحد يفكر إلا فى نفسه وفى الوصول إلى هدفه قبل الآخرين وينفتح الطريق لنرى حوادث تصادم بشعة راح ضحيتها شباب وبنات وأطفال قتلى على جانبى الطريق ولا أحد يتوقف ليرى وانما تمر السيارات مسرعة، ولكن المأساة لم تنته، فعلى جانبى الطريق عربات محطمة محترقة وحوادث وقتلى..

ونفهم من هذا أن المؤلف يرمز إلى النيران المشتعلة على الجانبين فى فيتنام والكونغو ونيجيريا والشرق الأوسط، بينما فى أوروبا القبلات على الأرصفة ويقضون إجازة نهاية الأسبوع. ثم يفاجأ الزوجان بقاطع طريق يقطع طريقهما ثم يقفز فى هدوء إلى داخل العربة ويقول للزوجين إنه الله وإنه يريد الذهاب إلى لندن وينظر الزوجان إليه فى سخرية ولكن يرفع الرجل يده إلى السماء ويبسطها فإذا بها أرنب، ويقول إنه مستعد أن يجيب لهما أى طلب،

ويطلب الزوج بعد تفكير عربية مرسيدس موديل العام وتطلب الزوجة فستان سواريه ويصرخ الله فى ازدراء: «ولكنك يا رجل تملك سيارة مرسيدس موديل العام السابق وأنت يا امراة لديك خمسون فستان سواريه» ويستعجب بقوله: هل تلتقيان بالله وتطلبان مثل هذه المطالب البرجوازية، بصراحة يا بشر أنا أستحقركم جدا، ويقفز نازلا من السيارة ويصرخ الزوجان: إننا نشك فى أمرك أحدث لنا معجزة.. فيجيب الله وهو يختفى: «أنتما أحقر من أن أثبت لكما وجودى»، ويريد أن يقول الفيلم إن أوروبا تعيش فى عالم بلا إله وبلا أمل وأنها على حافة الهاوية.

كما شغلنى عالم الأرواح وحاولت أن أتعرف عليه كنوع من الفضول عن طريق حضور جلسات تحضير الأرواح ولأننى أيضا أرفض المسلمات فى هذا الجانب وأريد أن أتعرف على أسراره وكانت حالة من الفكاهة الشديدة عندما علمت أننا فى مصر لسنا الوحيدين المهتمين بهذا النوع الذى ربما يكون علما،

ووجدت أن فى لندن مبنى أنيقا من طابقين، فى الطابق السفلى مكتبة الأرواح التى تحتوى على كل كتب تحضير الأرواح والتعرف عليها وترجمة لكل الكتب السماوية بما فيها القرآن، وعرفت من إحدى السيدات الموجودات بالمبنى أن هناك محاضرات يومية عن المشكلات الروحية، وعروضا خاصة يقدمها الدراويش الإنجليز دون وسطاء،

وكنت مسرورا جدا لأنى سأرى الدراويش الليلة، الذين اعتدت أن أراهم أمام مقام السيد البدوى بطنطا أو السيدة زينب أو مسجد الحسين بالقاهرة، ولكن سيكونون دراويش إنجليز. وحضرت فى موعد المحاضرة ووجدت أن الكثير من الحاضرين سيدات فى أعمار الشيخوخة وبالتالى من السهولة التأثير عليهم،

كما وجدت أن سيدة هى التى ستقوم بدور الدرويش وعلمت أن هذا هو التجديد من الأجانب، فعندنا الرجال وعندهم النساء هو صراع الرجل والمرأة والمنافسة على إثبات نفسها حتى لو فى مجال العمل الروحانى. وبدأت الجلسة بقراءة ابتهالات وصلوات، والغريب أننى عرفت أنها هى التى تختار من يسألونها وأيقنت أنها لابد أن تكون نصابة فبالطبع من ستسأل أتباعها المنتشرين بين الناس داخل القاعة وعلى الفور وقفت لانصرف ولكن سألتنى إحدى السيدات عن سبب انصرافى فقلت لها: عندنا فى مصر مئات الدراويش يستطيعون أن يصنعوا أشياء أعظم من هذا..

فقالت: لماذا لا يحضرون إلينا.. فقلت لها: فعلا لابد أن نصدر لكم دراويش الحسين والسيدة زينب. وأيقنت فى هذا الوقت أننا لا نستطيع أن نصدر غير الدراويش فهم أصبحوا فى مصر أعدادا كبيرة جدا. أما عن أيامى فى لبنان «بيروت» باريس الشرق الأوسط فتعلمت منها الكثير، فلبنان هى دولة لا تمتلك البترول ولكن تمتلك الجمال الفتان الذى يجبر الناس على زيارتها ووجدت أن فى لبنان الكباريهات منتشرة فى كل مكان تكاد تكون فى كل شارع فكباريهات فوق الأرض وتحت الأرض وفوق الأسطح وفى خنادق وعندما زرتها كان الفن والمسرح والسينما غير موجودين بالمرة وذلك لأن الفن يحتاج إلى مجهود عالى ومعرض للنجاح أو الفشل والإذاعة والتليفزيون وسيلة إعلانية فقط ولكن أخطر ما وجدته داخل لبنان هذه البلد التى يتمتع أهلها بالطيبة الفائقة أنها بانتمائها إلى كيان عربى كبير تجد نسبها وكرامتها وعروبتها فلا يمكن أن تعيش لبنان زوجة للكل ولا يمكن أن تعيش لقيطة يكتب كتابها بالفرنسية ويكتب شعرائها بالاتينية أن طلاقها من عروبتها لن يضمها إلى العالم ولن يجعل مواطنها عالميا.

ثم ضحك كثيرا وهو يقول.. ما نشاهده فى بلاد الغرب من غرائب السلوك ومعتقدات متفتحة لا يتقبلها مجتمعنا الشرقى بسهولة ربما يكون أفضل بكثير مما يحدث بين قبائل الغابات الاستوائية وفى أفريقيا وفى صحراء السودان، فقد سافرت للكثير منها، وهنا أتذكر جيدا ما شاهدته داخل قبيلة الشيلوك من عادات ومعتقدات،

ووصف لنا ملامح النساء والرجال والأطفال والمنازل، وهذا ربما يدعونى أو يدعو القراء إلى حمد الله على نعمة المدنية التى نعيشها والتحضر الذى يفوق هذه القبائل التى مازالت موجودة حتى الآن بآلاف السنين.. ولكنه يجعلنا نرى، وبوضوح، الصورة التى يصورها لنا الغرب، فهذه نفس الصورة فهم يضعوننا فى نفس موضع هذه القبائل ولكن بعيدا عن تصورات الغرب والشرق التى لن تتغير إلا بمعجزات إنسانية وليست ربانية فقط،

قال: فى قبيلة «الشيلوك» كانت الباخرة تسير ببطء كأنها سلحفاة تمشى على بطنها وأنا مغمى علىّ من فرط الحرارة فى علبة السردين التى أنام فيها والمروحة تزنّ على رأسى بلا جدوى، ولا أجرؤ على أن أفتح باباً أو شباكاً فأسراب البعوض تحوم فى أفواج كثيفة فى الخارج، ولا أكاد أتخيل أن أخرج أصبعا حتى لا تهجم عليها فى وحشية وكلها من بعوض الأنوفيل حامل الملاريا،

وكانت الملاريا قد بدأت تكتسح المركب، فالريس حرارته ٤٠، واثنان من البحارة يعانيان رجفة الحمى وكنت أفتح عينى بين لحظة وأخرى وأنا فى ضباب النوم فأرى جزائر من النور تسبح طائرة على جانبى السفينة وكنت أتساءل: هل أهذى أنا الآخر؟ وأفرك عينى وأحملق حولى جيدا مازالت هناك تلك الجزائر من النور بالفعل، إنى لا أحلم، إنها جزائر من نباتات الهياسنث سابحة فى التيار تضيئها أنوار الباخرة على الجانبين،

وقد كان قمر خط الاستواء يبدو شاحبا يغلفه الضباب والبخار، وخطر لى أن أصعد على سطح الباخرة لأشاهد الطبيعة فى تلك الساعة من الليل، ودهنت وجهى وأطرافى بطارد البعوض وخرجت ألتمس الهواء، ولم يكن ثمة هواء وإنما رطوبة راكدة تتكثف على الأهداب وعلى الجلد وهواء ثقيل له ضغط، ولم تكن الطبيعة نائمة كما تصورت وإنما كانت صاخبة جياشة بالحركة والحياة، أسراب الفيلة تملأ المراعى وتماسيح النيل الضخمة تمرح حول الباخرة وقطعان سيد قشطة تستحم،

وآلاف الكروانات والبلابل والعصافير والنسور والطيور الملونة تحلق على ارتفاعات قليلة، وجيوش الحباحب المضيئة تلمع كسنون الإبر فى الظلام، وحرب الطبيعة ناشبة على أشدها: الحباحب تأكل البعوض والضفدع يأكل الاثنين، والأسماك تأكل الكل، ثم يذهب الجميع فى جوف التمساح فى صمت، على حين يطل القمر شاحبا يغلفه الضباب والبخار، ومن وقت لآخر يرشق الهدهد منقاره فى الطين ليخرج بدودة كبيرة،

ويغطس طائر اللقلق فى الماء ليخرج وفى فمه سمكة، وترتفع هامات السفانا العالية وأشجار البردى وسيقان الهياسنث على الشطآن لتحجب ما يجرى فى الداخل، لا يندو عنها صوت إلا حينما يتخللها ثعبان فيخشخش بين أوراقها وهو يسعى ليرد الماء أو يتمطأ فيل فتهوى كتل من هذه النباتات المتشابكة،

وتتفتت ويجرفها التيار فى جزائر عائمة صغيرة تنعكس عليها أضواء الباخرة فتلمع فى الظلمة كل صنوف الحياة كان يبدو عليها الانتعاش فى هذا الجو الساخن فهى تتلاقح وتتوالد وتتكاثر وتأكل بعضها وتنقنق وتزقزق وتقشقش وتفح وتنبح وتعوى وتملأ المستنقعات اللزجة وتشرب مياهها الراكدة فى شهية كالحساء وتنمو وتبلغ أحجاما عملاقة، أشجار الأدليب كانت تصطف فى طوابير شاهقة الطول على الجانبين وثمار الأدليب كانت تتساقط فى الماء كل ثمرة فى حجم البطيخة،

وهى من فصيلة الدوم وأشجار البردى كانت تنمو فى وحشية حتى تسد الأفق، التماسيح كانت تشق الماء شهباء اللون كالحة ضخمة كالبوارج الحربية، كانت هذه البيئة الساخنة هى البيئة المختارة لهذه الفصائل من النباتات والحيوانات. شىء واحد لم يكن يظهر إلا نادراً فى هذه المتاهات الاستوائية الشاسعة هو الإنسان، كل بضعة أميال كان يظهر واحد أو اثنان أو ثلاثة من الزنوج عراة، يحملون الحراب، وكلهم من قبيلة «الشيلوك»،والشيلوك والدنكا والنوير هى القبائل التى يلقاها المسافر فى هذه المنطقة من النيل بين كوستى وملكال وبور وجوبا، وزنوج هذه القبائل يسيرون عرايا وأحيانا كنت أجد الواحد منهم «عريانا ملط» كيوم ولدته أمه و«لابس كرافتة» وهم ينظرون إلى المدنية بهذه الطريقة من التريقة، فالثياب فى نظرهم مجرد تقليعة بلا وظائف، مجرد زوائد لا معنى لها، كزر الطربوش،

ومعظمنا كنا قد بدأنا نعتنق هذه الفلسفة فقد كنا نسير على سطح المركب ءنصاف عرايا لا فرق بيننا وبين الشيلوك إلا نصف متر الدبلان الذى يقتضيه الحياء التقليدى، ولكن الشيلوك لم يكونوا رواداً فى مسألة الثياب وحدها ولكنهم كانوا روادا فى كل ما هو بدائى، وكانوا يرفضون بشدة كل ما هو مدنية ويتمسكون بكبريائهم وتقاليدهم، وكانت ديانتهم وحدانية، فهم يؤمنون بإله واحد يسمونه «جوك»،

ولكن فهمهم لهذا الإله الواحد غامض ومضطرب فهو فى نظرهم خفى وموجود فى كل مكان وخالق للسماء، ولكن مشيئته لا تنفذ إلا عن طريق نياكانج وهو ملك الشيلوك القديم الذى أنشأ هذه القبيلة، وهو فى اعتقادهم لم يمت وإنما تحول إلى ريح واختفى ثم حلت فيه روح «جوك» وأصبح ممثلا لمشيئته على الأرض،

ولهذا فهم يصلون له ويقيمون له المعابد ويقدمون له القرابين ونياكانج متصل اتصالا يوميا بحياة الشيلوك، أما جوك أو الله فهو شىء مجرد وبعيد ومتصل أكثر بالكون كله، ومعابد النياكانج هى وحدات سكنية عادية يعتقد الشيلوك أن روح النياكانج تسكنها، وتتألف الوحدة من خمسة أو ستة أكواخ، مثل أكواخ السكن العادية التى يسكنها الشيلوك، مع فارق أنها أكثر اتساعا ونظافة، ويقوم على خدمتها كهنة من عجائز الشيلوك ومعهم زوجاتهم الطاعنات فى السن، ومحرم دخول هذه المعابد لأى فرد من أفراد الشعب فيما عدا هؤلاء الكهنة،

وعلى من يدخلها من النساء أو الرجال أن يكون صائما صياما تاما عن العلاقة الزوجية، والكوخ الأول من هذه الأكواخ يخصص لنزول روح نياكانج وفيه توضع أسلحته وأدواته وقيثارته وطبوله وجلود قرابينه، وعلى بابه تغرس قرون الأضاحى التى قدمت له، والكوخ الثانى يخصص للماشية التى تخص المعبد، والثالث لتخزين الحبوب وتخمير المشروبات، والرابع للكهنة والخدم والعبيد،

والخامس لتقضى فيه روح نياكانج حاجاته وتستحم وتتبول، والسادس لنزول روح نيكايا والدة نياكانج ويرتل الكهنة فى صلواتهم قائلين: «يا إلهنا نجنا، بيدك وحدك نجاتنا، أنت تملك السماء والأرض والنجوم، وبمساعدة نياكانج تقوى أذرعتنا عند الحرب وتحفظ لنا ماشيتنا وتبعد عنا المرض والجوع، كل أبقارنا مبذولة من أجلك، وكل دمائنا فداؤك». وهم يذبحون الثيران التى تقدم قرابين ويأكلون لحومها ويرمون بعظامها فى النهر، أما الأبقار فيحفظونها فى حظيرة المواشى بالمعبد.

وأهم الطقوس الدينية طقوس المطر وطقوس الحصاد، وفى يوم الاحتفال بطقوس المطر تدق الطبول فى ساحة المعبد التى تكنس وتنظف للمناسبة، ويجتمع الشباب للرقص بالحراب والسيوف والغناء لروح نياكانج، ثم يؤتى بثور القربان ويضع الكاهن فى كفه بعضا من ماء النهر ويبصق فيه ثم يرش به الثور ثم يطعنه طعنة نافذة فى أعلى الفخذ ويتركه ليدور فى الساحة حتى يخر ميتا،

وهم يستبشرون إذا اتجه الثور المحتضر إلى النهر أو إلى كوخ نياكانج ويحتفظ الكهنة بالرأس والسيقان والأحشاء ليأكلوها، ويلقون بالعظام فى النهر، ويعتقد الشيلوك أن روح نياكانج يمكن أن تحل فى عديد من الحيوانات مثل الزراف والثعبان وطائر الأكاك،

وحينما يرى الشيلوكى فراشة تقف على باب المعبد يصرخ هاتفا: «هذه روح نياكانج»، وأى شجرة تنبت بالقرب من معبد نياكانج تقدس ولا تمس ويعتقد أنها من أخشاب مقبرة نياكانج. وصيد التماسيح محرم لأن الشائع أن روح نيكايا أم نياكانج تحل فيها، وهم يعتقدون أن روح نيكايا تعيش فى الماء ولذلك يلقون بالشاة التى يقدمونها قربانا لروحها وهى حية ومقيدة من أرجلها فى الماء،

وكل ملوك الشيلوك مقدسون على مثال نياكانج ولذلك فهم يدفنون وتقام لهم معابد، ولكن تكون أصغر حجما، والموتى من الأجداد يعاملون معاملة الملوك ويعتقد أن فيهم روح جوك وأنهم على اتصال بالله، وأرواح الأجداد لا تنفصل فى ديانة الشيلوك عن أرواح الملوك أو روح نياكانج أو روح جو،

ويتشاءم الشيلوك من الملك الذى يطعن فى السن ويقعده المرض، ويعتقدون أن ما يصيب الملك من مرض وشيخوخة لا يلبث أن يحل بالقبيلة كلها وكانوا فى الماضى يقتلونه والقرابين البشرية غير مألوفة عند الشيلوك ولكنها كانت تقدم فى أحوال نادرة عندما تفشل الطقوس العادية فى استدرار المطر.

0 التعليقات:

إرسال تعليق