adv

Hazooma blog in other languages

مذكرات د : مصطفى محمود " أزمة القرآن وانتقادى لكتَّاب مصر " ( الحلقة الحادية و العشرون )

■ إن غض البصر.. وخفض الطرف.. وطلب العلم من الله فى انكسار.. والحياء من غناك إذا كنت غنيا ومن علمك إذا كنت عالما ومن جاهك إذا كنت وجيها ومن سلطانك إذا كنت صاحب سلطان، صفات ذكرها القرآن بكل وضوح

■ ماذا بعد الجهل بنفسك من جهل أيها الإنسان وعسى أن يقربك شعورك بعجزك من الرفق بكل عاجز فاعرف نفسك لأن هذه هى أصعب المعارف، وإنها هى المعرفة الكبرى التى إذا بدأت لا تنتهى هذه هى بداية العلم الحقيقى الذى يورث الأدب مع الله..

مصطفى محمود

هاجموه لأنه كان يحاول دائما أن يدخل سراديبهم المظلمة.. لينقيها وينظفها من خفافيش الظلام.. كانت مشكلته التى يعانى منها أنه لا يستطيع أن يشاهد الأخطاء تقع ويقف صامتا، وهذا كان موقفه فى الموضوعات العادية، فما بالكم إذا كان هذا الخطأ يحدث فى شرح وتفسير القرآن الكريم،

لذلك لم يتحمل فيلسوف الشرق الدكتور مصطفى محمود كل هذه المخالفات التى تحدث من كبار العلماء فى تفسير الآيات الكونية، وصمم على أن يخرج كتابه «التفسير العصرى للقرآن»، ذلك الكتاب الذى أشعل حرب الهجوم من جديد، بعد أن كانت هدأت لسنوات، وهى الحرب التى بدأتها بنت الشاطئ، كما ذكرنا فى حلقة سابقة وكما سنتحدث عن هجومها بالتحديد فى حلقة مستقلة، وفتح بوابة كبيرة من الجدل بين المؤمنين والرافضين.. المؤيدين للإعجاز العلمى للقرآن والكافرين به.. بين عقول متلهفة لمعجزات جديدة تكتشف فى المعجزة الأكبر (القرآن الكريم)، وبين قلوب سلفية رفضت قبول أى جديد فى هذه المعجزة الكاملة.. لم يسبقه أحد إلى تفسير القرآن تفسيرا جديداً فى عصر الفضائيات والقمر والموبايل وجاليليو.

عندما فتحنا له الباب ليتكلم فى هذا الموضوع أبدى أولاً دهشته لعدم استطاعتنا حصر العاملين فى مجال الإعجاز العلمى للقرآن تحت راية الدكتور زغلول النجار، لكننا بالفعل لم نستطع حصرهم فقد زادوا واتسعت مجالاتهم حسب تخصصهم العلمى وزادوا أيضا خارج الدول الإسلامية.

وقال فيلسوف الشرق وعالمنا الكبير الدكتور مصطفى محمود: «عندما قلت إن آذاننا أصبحت لا تجد من القرآن السحر والذهول من الحقائق والبلاغة كما كان يحدث ممن سبقونا، طبعا كلنا نشعر بذلك منذ كنا صغارا يعلمون لنا القرآن بالحفظ فقط دون فهم، هذا بالإضافة إلى لغتنا العامية التى أبعدتنا عن أصول لغتنا مما أجهلنا بمعان كثيرة من الممكن أن نفهمها.. كنت أبحث عن لحظة صفاء ينزع الواحد فيها نفسه، ويرتد فيها طفلاً بكراً وترتد له نفسه على شفافيتها كفيلة بأن تعيد إليه ذلك الطعم الفريد.. نعم كنت أقصد ذلك.. كتاب الله محفوظ ليس بأيدينا لكن بأيدى خالقنا وخالقه طبقا للآية الكريمة التى تقول: «إن نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون»،

ولذلك فقد وضع الله فيه أسباب حفظه وبقائه.. وفائدة التفسير الجديد هو التحديث والتطوير ليصل إلى العقول فى عصر الميكروسكوب والخلايا والنيترون والفضاء.. ببساطة هل المفروض أن يقدم للعرب قديما وهم سكان البادية ورعاة الأغنام والإبل ما يقدم الآن لعالم فضاء أو مهندس ذرة.. نفس المادة وهى كتاب الله الحكيم لكن الاختلاف هنا بين العصرين، والوسيلة التى سيقدم عليها وبها بمعنى آخر على أى طبق أو بأى معنى. هل المعنى الذى تحدث به المفسرون القدامى أم أننا بحاجة إلى طريقة ووسيلة حديثة وجديدة ومعاصرة لمواجهة هذا العصر..

هذا هو ملخص مشكلة التفسير العلمى للقرآن الذى أطلقته منذ ٤٠ عاما وكان بداية لانفجار مدرسة الإعجاز العلمى للقرآن لأننى أيقنت أننا سنواجه طفرة علمية قادمة وهى التى وصلنا أو بمعنى أدق وصل إليها العالم الآن ومازالت تتطور، وكنت أخاطب نفسى هل سيستطيع أحفادى أن يتمسكوا بالقرآن فى تلك العصور ووجدت نفسى أجاوب بنعم ولكن.. وفى لكن تكمن كل الأشياء.. أن يتم تحديث الخطاب وهو التفسير ويكون مواكباً للعصر الذى نعيش فيه ووجدت أن من رحمة الله بنا أن القرآن لا يتغير بتغير الأزمنة وأنه التشريع الثابت لعالم ومجتمعات تتغير وأنه قابل للتفسير العصرى للأزمنة المختلفة..

وببساطة عندما تجد مشركاً بالله متأففا داخل نفسه من ديننا الحنيف ويتصور ويقول إن ديننا يصلح للبادية فقط.. ثم تقرأ عليه آية «غلبت الروم فى أدنى الأرض» ثم تأخذه من يده إلى الموقعة والمكان الذى غلبت فيه الروم فعلا فى حربها الشهيرة، ويكتشف فعلا أن الموقعة التى دارت فيها الحرب من الناحية الجغرافية «بالمصطلح المعاصر»، هى أقل المواقع انخفاضا جغرافيا على كوكب الأرض وهى النتيجة المذهلة التى لم تكتشف إلا فى القرن الحادى والعشرين بواسطة أهم علماء الجغرافيا والطبوغرافيا فى العالم وأحدث أجهزتهم، وتتخيل منظر العلمانى المتأفف من دينك الحنيف، وهو يفتح فاه فى ذهول كالأهبل بالضبط، وهو يرى القرآن الحكيم، وقد ذكر تلك النظرية الحديثة منذ ٢٠٠٠ عام ويخر ساجداً موحداً بخالق العالمين!!

هل وصلكم مقصد تلك الرؤية الحديثة بهذا النموذج المبسط، وهل عرفتم فوائدها، إذن المقصد هو إضفاء روح العلمية على الكتاب الحكيم وهو الشىء الذى سيظهر له بالتأكيد غاضبون وسيخرجون من جحورهم رافضين هذا المنهج العلمى المتطور الذى يثبته القرآن، لكن حال الفرق المختلفة والمدارس المتنوعة فى علم التفسير على طوال التاريخ كان هو الاختلاف والتنافس ولكن مع قبول الآخر فهو الأمر الذى سيعلى من شأن الاختلاف ويقويه ويزيد من أهمية الطرفين، ويزيد أيضاً، وهذا هو الأهم، من روح الابتكار والاجتهاد لكى يحاول كل طرف إثبات رأيه ومنهجه، ولكن ما يحدث هنا عجباً فى زمننا هذا الذى يحول التفكير إلى تكفير،

كما أننى لست الوحيد من المعاصرين الذى حاول تفسير القرآن تفسيراً عصرياً بل إن أحد عمالقة جيلى، مثل عباس محمود العقاد، قد حاول تفسير القرآن تفسيراً عصرياً لكنه لم يستطع أن يكمله لأن القدر الإلهى كان قد تدخل ووافته المنية، وقد هاجمته عائشة عبدالرحمن «بنت الشاطئ» بالفعل، وكان ما حدث بينهما كالتالى: فبعد إعلانه أنه بصدد إنهاء تفسيره الحديث للقرآن، ووجد ما دار من جدل بينها وبين العقاد فى هذه القضية، وبعد أن كتب العقاد كتاباً بعنوان «المرأة فى القرآن» أورد فيه فقرات فيها انتقاص للمرأة، فأورد أن النظافة ليست من خصائص الأنوثة، واعتبر أنه من الضلال فى الفهم أن يخطر على بال أحد أن الحياء صفة أنثوية، وكذب مقولة أن النساء أشد حياء من الرجال،

وعلى هذا المنوال أخذ العقاد يكيل الاتهامات للمرأة، وكان هذا العنف ضد المرأة ما دفع بنت الشاطئ للهجوم عليه والرد بمقالات صحفية تحت عنوان: «اللهم إنى صائمة» انتقدت فيها العقاد بعنف شديد، فما كان من العقاد إلا أن وجه سهام نقده اللاذع إليها بشكل أعنف وأقوى، فهو كان عبقرياً فى الهجوم، معتبرا إياها المثال الوحيد الماثل أمامه على تناقض المرأة، وواصفا إياها بأنها «الست» مفسرة القرآن، فأنا أذكر هذه القصة لأقول إن بنت الشاطئ كانت تستهدف أى شخص يحاول الكتابة عن القرآن وكأنها أصبحت تملكه،

وعندما هاجمتنى لم أرد عليها بكل هذا العنف الذى استخدمه العقاد فى الدفاع عن نفسه، وهذا حقه المشروع الذى لا أنكره عليه، لأننى كنت أقدر علمها وأحترمها، واكتفيت بأننى اتخذت منها موقفاً على طول الخط، ثم فوجئت بعد ذلك بأن هناك هجوماً ضدى ليس من داخل مصر فقط ولكن من الخارج أيضا، ووجدت أن هناك مجموعة من الكتيبة السلفية فى السعودية تهاجمنى بشدة وتتهمنى بالكفر والشطحات، وهنا وجدت أننى لا أستطيع تحمل الاتهامات التى تلصق بى أكثر من هذا، وأننى لابد أن أرد عليهم وكان من بين من هاجمونى الكاتبة السعودية سهيلة زين العابدين، وهى التى هاجمتنى على الملأ بالكلام التالى: «إنك خضت فيما ليس لك به علم..

أولا بدأت بتفسير القرآن تفسيرا عصريا، وأخضعته لمفاهيم ونظريات علمية، ولكن القرآن لا يخضع أساسا للقوانين العلمية لأنه كتاب منزل من عند الله ولا نستطيع أن نفسره بموجب الاكتشافات العلمية، لأن هذه الاكتشافات قابلة للتغيير فلو ربطنا القرآن الكريم بهذه الاكتشافات العلمية والقوانين ثم حدث بعد ذلك أى تغيير فى هذه الاكتشافات، فسوف يكون هناك تناقض مع ما جاء فى القرآن حسب التفسير الأول وهذا حقيقة ما يسعى إليه أعداء الإسلام،.

ولقد حاول «مونتجمرى» و«ريتشارد بيل» من خلال دراسة عن القرآن الكريم وقالا إنهما لم يجدا فيه ثغرة يمكنهما من خلالها أن يثبتا عدم مصداقية القرآن رغم محاولاتهما المستمرة ومع هذا يحاولان التشكيك فى القرآن.. وذكرت أن الاستعمار البريطانى طلب من السيد «ميرزا أحمد» المؤسس الرئيسى للقاديانية أن يفسر القرآن التفسير العصرى وأن يربطه بالعلم للنيل منه، وقالت إننى الآن أسير على نفس النهج وإننى أقع فى شطحات كثيرة واتهمتنى أيضا بأننى فسرت خلق الإنسان حسب نظرية «داروين» أى أنه خُلق حيواناً، وقالت إن كتب التفسير جميعها سواء كانت التفسير المأثور أو التفسير بالرأى لا تختلف عن تقرير وجهتين:

الأولى أن الله سبحانه وتعالى أخبر الملائكة بأن ذرية خليفته فى الأرض يفسدون فيها ويسفكون الدماء، وقالت إننى اكتفيت بدلالة ما قد ظهر من الكلام وهذا معروف فى القرآن وفى اللغة، ولكن جهلى فى اللغة أوقعنى فى المحظور وذكرت تفسيرى لآية داخل صفحات كتاب التفسير العصرى للقرآن وهى «ولقد خلقناكم ثم صورناكم» وقال تفسير لها إن آدم مر بمراحل التخليق والتصوير والتسوية واستغرقت ملايين السنين، وهنا قالت: لو تأملت سورة آل عمران التى يقول فيها جل شأنه «إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون» وقالت: فهل خلق عيسى، عليه السلام، فى رحم أمه استغرق ملايين السنين، ومر بأطوار حيوانية مفترسة كما زعمت يا دكتور؟».

هنا وجدنا أنفسنا شغوفين بالاستماع إلى رد الدكتور مصطفى محمود على كل هذه الاتهامات، حيث قال بعد أن صمت لدقائق: «كان ردى على الاتهامات أنها كعادة كل المهاجمين لم تقرأ كتابى وتهاجمنى عن عدم فهم لما أكتب، وهنا يجب أن أذكر جانباً مهماً لم أتحدث عنه من قبل، وهو لماذا أنا بالتحديد اتخذت قرار تفسير القرآن فى هذا الوقت، والإجابة التى ستذهل الجميع هى أننى كواحد من كتاب مصر وجدت أن الكثير من أصدقائى المفكرين والكتاب يدعون إلى هدم الدين وعدم التمسك بالقرآن الذى لم يعد يصلح لهذا الزمان وهذا العصر، وكان نتيجة ذلك أننى اختلفت معهم رغم أن بينهم أصدقائى،

وكان من هؤلاء الكتاب: توفيق الحكيم، وطه حسين، وإحسان عبدالقدوس، ويوسف إدريس، وأدونيس، ونزار، والبياتى، ونوال السعداوى، ونجيب محفوظ، وعبدالله الغذامى، وصلاح عبدالصبور، ومحمد العلى، وأمل دنقل، وبدر شاكر السياب، وفوزية أبوخالد، ونجاة عمر، وعبده خليل، وغيرهم كثيرون فى كل أنحاء الوطن العربى، وهنا سأوضح ردودى ومأخذى على كل واحد منهم بما كتبوا بأنفسهم وليس بما أكتب أنا الآن، حيث وجدت أن توفيق الحكيم أنكر الشهادتين، وذكر أن الإنسان عليه أن يكتفى بالإيمان بهما دون اللفظ،

وقال إن إرادة الله تعادلى إرادة الإنسان فى كتابه «التعادلية» حيث ذكر فى طيات صفحاته أن الإنسان خُلق ليحارب القوى الإلهية وهو متأثر بالفكر الإغريقى فى «أهل الكهف»، وفى مسرحيات «سليمان الحكيم» و«شهر زاد» و«الملك أوديب» يتضح الأثر الوثنى الإغريقى على فكر توفيق الحكيم، فى كتابه «راقصة المعبد» فقد جعل توفيق الحكيم الفن إلها يعبده ويستغفره ويسجد له ويستجير به، وفى كتابه «الشهيد» صوّر الشيطان بالشهيد الذى رفضت توبته، وفى مسرحية «أهل الكهف» خالف النص القرآنى تماما واعتبر أن قصة أهل الكهف والقصص القرآنية هى من إبداع العقلية العربية الإسلامية وأنكر واقعية القصص القرآنى، وفى مسرحية «محمد رسول الله» نظر للرسول، عليه الصلاة والسلام، على أنه بشر فقط ولم ينظر إليه على أنه بشر ورسول،

وفى الحديث النبوى الشريف «حُبّب إلى الطيب والنساء وقرة عينى هى الصلاة» ذكر الشطر الأول من الحديث وحذف قرة عينى هى الصلاة كما يفعل المستشرقون، وذكر أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، تزوج بعد كل غزوة وأن له جلادا، وفى قصة سليمان الحكيم حوّل هذه القصة إلى حب وغرام وسحر ونظر إلى سيدنا سليمان نظرة اليهود، وقال إن العرب أمة لا ماضى لها ولا تاريخ وإنهم أمة تجرى وراء اللذة والمتعة ودعا إلى الفرعونية والاشتراكية.

كما أننى انتقدت أدب طه حسين ونجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس وغيرهم ممن لهم قراء وجمهور كبير فى الوطن العربى، رغم أنهم أصدقائى، ومع ذلك هاجمتهم بشدة من خلال مجهر التصور الإسلامى.

فقلت وبكل صراحة إن طه حسين متأثر بالمستشرقين، خاصة اليهودى «مارجليوث»، ولقد تعمقت فى أدب طه حسين ودرسته جيداً، خاصة كتبه الإسلامية مثل: «فى الشعر الجاهلى» و«الوعد الحق»، و«مرآة الإسلام»، و«الفتنة الكبرى»، و«الشيخان»، وأمعنت النظر فى «الأيام»، و«حديث الأربعاء»، و«ابن خلدون» وغيرها من الكتب فوجدت أنها جميعا تظهر بوضوح تأثير الفكر الاستشراقى فى فكره، وهذا ليس غريبا وهو أيضا لم ينكره بل يعترف به،

وحين وضعته تحت مجهر التصور الإسلامى كان مأخذى عليه، أنه أخضع القرآن الكريم والتاريخ الإسلامى لمنهج الشك الديكارتى، وأنه قصر القرآن الكريم على الأمة العربية وليس للناس جميعا حيث قال: «إن الدين الإسلامى دين للعرب وحدهم وقد نزل لإصلاحهم فى فترة زمنية معينة وقد انتهى دوره» وأنكر ما جاء عن النبى، صلى الله عليه وسلم، فى التوراة والإنجيل، وشكك فى نسب الرسول، صلى الله عليه وسلم، وفى الحنيفية ملة إبراهيم، وقد ثار عليه الأزهر فى حينها وتراجع عن بعض آرائه، ولكننى وجدت أنه، باختصار، يطبق فكر «مارجليوث» ونظريته فى الشك على ثوابت الإسلام، وأخضع الأسلوب القرآنى للنقد، وهذا ما أثارنى وحفزنى على إخراج كتابى، وقد أوجد مادة عندما كان يدرس فى جامعة فؤاد الأول اسمها «نقد القرآن الكريم» ودعا طه حسين إلى الأخذ بالحضارة الغربية بخيرها وشرها وحلوها ومرها.

أما نجيب محفوظ فاسمحوا لى أولا أن أوضح أننى لم أهاجم نجيب محفوظ ولم أوجه له التهم لأننى أقدره ككاتب وأحترمه كصديق، لكنه هو الذى أدان نفسه ولست أنا، وهذه النقطة الأساسية هى التى أود توضيحها بالنسبة لكل من تصديت لهم فأنا لم أدع عليهم ولم أفتر، بل أدبهم وفكرهم ومنهاجهم هى التى تدينهم والنصوص موجودة داخل كتبهم ولم تستطع الهروب والإفلات منها، فنجيب محفوظ عليه الكثير من المآخذ،

فقد جعل الله سبحانه وتعالى أباً، وجعل له زوجة وأبناء وقد أقر به بهذه الصور فى كتب «أولاد حارتنا»، و«الشحاذ»، و«ثرثرة فوق النيل»، و«بداية ونهاية»، وقد ذكر الأستاذ جورج طرابيشى فى كتاب «الله فى رحلة نجيب محفوظ» مبينا أن نجيب رمز إلى الله عز وجل، فى هذه القصص بالأدب، فكتب له نجيب محفوظ رسالة قال له فيها: «أقر أن استدلالاتك خير من عبر عنى فيها»، وقد نشر طرابيشى هذا الخطاب على الغلاف الأخير من الكتاب حتى يبرئ نفسه من أى تهمة وحتى لا ينكر نجيب محفوظ هذا الخطاب الممهور بتوقيعه،

كما أننى كنت أنتقد ترويجه للإباحية والعبثية فى كتبه التى تظهر من خلال كتبه «اللص والكلاب» و«الطريق» و«عبث الأقدار»، كما تأثر بالماركسية والاشتراكية وفصله بين المادة والروح، وغلب على كتاباته الانتماء اليسارى، كما ظهر فى «الثلاثية»، كما تحدث فى «ثرثرة فوق النيل» عن غياب الله.

وكذلك أدب إحسان عبدالقدوس هو الذى يدينه، فلقد استبعد إحسان الدين تماماً من قصصه، وإذا ذكر جانباً دينياً نجده يصور الاتجاه الآخر بالقوة، الفرويدية والوجودية ظاهرة فى قصص عبدالقدوس وبطلات وأبطال قصصه تسيرهم الغريزة الجنسية، وهى المحور الأساسى بكل شخصياته، وقد برر الخيانة الزوجية، وفى قصة «أرجوك أعطنى هذا الدواء» جعل علاج الخيانة الزوجية، من الزوج لزوجته أن تقوم الزوجة بالخيانة أيضا، وأن تكون لها علاقات برجال آخرين،

وبذلك تتساوى شخصيتها مع شخصه، وعندما رفضت الزوجة فكرة الخيانة اتهمها طبيبها بأنها تسير على تقاليد متحفظة، وقد درست أدب إحسان واتضحت لى معالم فكره وأدبه ورأيت أنه فى مجمله يمثل الأدب المكشوف، وأن له نظراته الخاصة لله، عز وجل، وللكون والحياة، وهى نظرة جمعت بين العلمانية والواقعية والاشتراكية والإسماعيلية والفرويدية والوجودية والسارترية، وتبين من خلال دراستى بعده عن المنهج والمنظور الإسلامى، وعن التصور الإسلامى للألوهية والدين والحلال والحرام،

وهذا يتجلى فى أبطاله وبطلات أعماله عن الدين، فهم لا يندمون لارتكاب الفواحش ولا يصومون ولا يصلون، ولا يرون ضررا فى إقامة العلاقات غير الشرعية، وقد جعل الحب فوق الحلال والحرام، وهاجم الحجاب، والفصل بين الجنسين، وقال إن شرف البنت وعذريتها من التقاليد التى يجب التمرد عليها، وهناك المئات من الأمثلة.

0 التعليقات:

إرسال تعليق